الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له ولّياً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنّا وعنهم يا ربَّ العالمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات .
على كل إنسان أن يعرف الله و يقدره حقّ قدره في كل ليلة و خصوصاً في ليلة القدر:
أيُّها الإخوة الكرام: موضوع الخُطبة اليوم ليلة القدر، ولكن سوف أضع بين أيديكم خواطر إيمانية مستندة إلى نصوصٍ قرآنية، السورة الأولى سورة القدر:
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)﴾
يَصعُب وصفها، ولكنها خيرٌ من ألف شهرٍ.
﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾
قال بعض العلماء: ألف شهرٍ أي ثلاثةٌ وثمانون عاماً، يعبُد المرء فيها ربَّه عبادةً جوفاء، خاليةً من معرفته ومن الإقبال عليه، في هذه الليلة تفوق ألف شهر، كيف نفهم معنى ليلة القدر؟ من آياتٍ كثيرة، من هذه الآيات:
﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)﴾
إذاً في ليلة القدر تُقدِر الله حقَّ قدره، في ليلة القدر تعرف الله، تعرف أنه لا إله إلا هو، هو الرافع هو الخافض، هو المُعطي هو المانع، هو المُعزّ هو المُذلّ، هو الرازق، هو الرحيم، هو الكريم، هو الحكيم، هو العليم، تعرف أسماءه الحُسنى وصفاته الفُضلى (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عرفوه حقَّ معرفته، يعني في ليلة القدر ينبغي أن تعرف الله، وقد تأتي ليلة القدر تاجاً لأيامٍ كثيرة، تجتهد فيها في سماع القرآن، وفي تلاوة القرآن، وفي صلاة التراويح من أجل أن تعرف الله (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) .
من كان مع الله لا يستطيع أحد في الكون أن يصل إليه أو ينال منه:
قال بعض العلماء في قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)﴾
أي أنَّ كل آيةٍ تنثني على أُختها فتشرحها.
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر) بمعنى أن تعرف الله، بمعنى أن تُقدِّره حقّ قدره، أن تعرف ربوبيته، أن تعرف أُلوهيته، أن تعرف وحدانيته، أن تعرف كماله، أن تعرف أنَّ بيده كل شيء، أن تعرف أنَّ:
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾
أن تعرف أنه:
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾
أن تعرف أنَّ:
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾
أن تعرف أنَّ يد الله تعمل وحدها، ولا إله إلا الله (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) إذا كنت مع القوي فأنت القوي، إذا كنت مع القوي لا يستطيع أحدٌ في الكون أن يصل إليك، ولا أن ينال منك، اعتزَّ بالله.
اِجْعَل لِرَبِّكَ كُلَّ عِزِّكَ يَسْتَقِرُّ وَيَثْبُتُ فَإِذَا اعْتَزَزْتَ بِمَنْ يَمُوتُ فَإِنَّ عِزَّكَ مَيِّتُ
الآيات التي تشرح لنا معنى ليلة القدر عديدة منها:
من أجل أن تعرِف الله حقَّ معرفته، من أجل أن تعرف أنَّ الله بيده كل شيء، لا تلتفِت إلى سواه.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)﴾
عن ما سوى الله.
1 ـ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ:
(مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عرفوه حقَّ معرفته (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) .
2ـ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ:
آيةٌ ثانية:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)﴾

هذه الأرض من يُسيِّرُها؟ تدور حول الشمس بمدارٍ إهليلجي، وهذا المدار له قُطران أطول وأصغر، فإذا وصلت إلى القُطر الأصغر قلَّت المسافة بينها وبين الشمس، وعندئذٍ تزداد قوة جذب الشمس لها، هناك احتمالٌ أن تنجذب إليها فتتبخر الأرض في ثانيةٍ واحدة، ما الذي يمنع انجذابها إلى الشمس؟ أنَّ الله يرفع سرعتها، لينشأ من ازدياد السرعة قوةٌ نابذة تُكافئ القوة الجاذبة فتبقى في مسارها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)﴾
أن تزولا عن مسارهما.
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) هذه الآية الثانية.
الأولى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) .
هذه الآيات تشرح لنا معنى ليلة القدر، أن تعرِف الله، أن تعرِف أنه إلهٌ، بيده كل شيء، واحدٌ أحد، فردٌ صمد، لم يلد ولم يولد، لتعرف أنَّ الله سبحانه وتعالى على كل شيءٍ رقيب، وعلى كل شيءٍ وكيل.
3 ـ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ:
آيةٌ ثالثة:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾
هذا الإله العظيم الرحيم، هل يُعقَل أن يدع عباده من دون توجيهات؟ من دون دلالة؟ من دون لفت نظر؟ فهذه الرسالات جعلها الله هدايةً للبشر، فإذا أنكرت الرسالة أنت ما عرفت رحمته، وما عرفت ربوبيته (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ) .
التفكر في خلق السماوات والأرض طريق معرفة الله تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام:
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)﴾

هذا الصباح الذي يأتينا كل يوم من يَخلُقه؟ هذا الليل الذي يأتينا كل يوم كي نسكن فيه من يَخلُقه؟ من يأتينا به؟ من آيات الله الدالة على عظمته الليل والنهار، ومن آيات الله الدالة على عظمته الشمس والقمر.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)﴾
إذاً طريق معرفة الله التفكُّر في خلق السماوات والأرض (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) .
الليل و النهار و الشمس و القمر من آيات الله الدالة على عظمته كي نقدره حقّ قدره:
أيُّها الإخوة: لو وقفنا عند الآيات الكونية تقترب من ألف آيةٍ، موقفك من أيّة آيةٍ أيُّها المؤمن موقفٌ مُحدَّد، من آية الأمر أن تأتمر، من آية النهي أن تنتهي، من آية وصف الجنَّة أن تسعى إليها، من آية وصف النار أن تفرَّ منها، من آية هلاك الأُمم السابقين أن تتعِظ، فإذا مررت على ألف آيةٍ تتحدث عن الكون، ما موقفك من هذه الآيات؟ موقفك من هذه الآيات:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
من هذه الآيات: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) كيف تعرف الليل والنهار؟ من الشمس، ومن دورة الأرض حول الشمس، وكيف تعرف الشهور؟ من القمر (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) .
فلان عمره تسعون سنة، أي أنه عاش تسعين دورة حول الشمس، وفي كل سنة اثني عشر شهراً حددها له القمر، من آيات الله الدالة على عظمته، كي نُقدِّر الله حقَّ قدره.
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)﴾
قدرة الله عزَّ وجل في خلق الإنسان:
أيُّها الإخوة الكرام:
﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (20)﴾

يعني الإنسان يستحي إذا كان هذا الماء على ثيابه، من ماءٍ مهين، لأنه يخرُج من عورةٍ ويدخُل في عورة
(أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) وفي اللقاء الزوجي يوجد ثلاثمئة مليون حوَين، البويضة تحتاج إلى واحدٍ فقط، البويضة لا تُرى بالعين كحبة الملح، لو إنسان وضع أصبعه على لسانه ثم وضعها على ملحٍ دون أن يضغط عليها إطلاقاً، يتشكل طبقة على أصبعه من حبات الملح، البويضة التي خُلِقتَ منها وأنا خُلِقتُ منها بحجم حبة الملح، والحوَين لا يُرى بالعين أصلاً، هذه البويضة تُلقَّح وبعد تسعة أشهُرٍ تصبح طفلاً، بدماغه يوجد مئة وأربعين مليار خلية، يوجد دماغ، يوجد خلايا قشرية فيها المُحاكمة والتصوُّر والتذكُّر، يوجد جمجمة فيها مفاصل ثابتة، يوجد جهاز هضم مُعقَّد جداً، يوجد جهاز تنفس، يوجد جهاز إفراز فضلات، يوجد جهاز كليتين، يوجد عضلات، أعصاب، غدد صمَّاء، عالَمٌ قائمٌ بذاته من هذه البويضة المُلقَّحة.
﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (21)﴾
الله عزَّ وجل خلق كل شيء بقدر:
الله جعل الرحِم في عظام الحوض قرار مكين، وجعل الدماغ في الجمجمة، وجعل العين في المَحجَر، وجعل القلب في القفص الصدري، وجعل النخاع الشوكي في العمود الفقري، وجعل أخطر معملٍ في حياة الإنسان، معمل كريات الدم الحمراء داخل العظام.
﴿ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (21) إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)﴾
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾
أنت حينما تُمسِّك كأس الماء، لا ترى إلا ماءً عذباً صافياً زُلالاً، لو أنَّ الله سبحانه وتعالى رفع لك حساسية العين، لرأيت ملايين البكتريات لا يمكن أن تشرب كأس الماء، السمع له عتبة، البصر له عتبة، الإحساس له عتبة، كل حواسك بقدر (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) .
﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ(26)﴾
من لوازم إدراك ليلة القدر:
1 ـ أن تعلم علم اليقين أن الرزق بيد الله:
من لوازم إدراك ليلة القدر، أن تعلم عِلم اليقين أنَّ الرزق بيد الله (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) لحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، والذي قُدِر عليه رزقه يوم القيامة يقول من أعماق أعماق أعماقه: "يا ربّي لكَ الحمد".
﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)﴾
شكر الله عزَّ وجل واجب على كل إنسان:
لو كشف الله لكَ لماذا جعلك ذكراً أو أنثى؟ أو ابن فلان وفلانة، في هذا المكان، وفي هذا الزمان، وفي هذه الإمكانيات، وفي هذا الشكل، وفي هذا الرزق، وفي هذه الزوجة؟ لابُدَّ من أن تذوب شكراً لله على أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، أكمل شيءٍ لكَ منحك إيّاه، وهل تعلم ماذا عند الله؟ ترون ماذا عند الله:
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾
هذه الصواريخ والصواعق (أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) الزلازل والألغام.
أمّا الثالثة نعوذ بالله منها، اشكروا الله (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا) الحرب الأهلية، الحرب الأهلية دامت في إسبانية أربعين سنة، في لبنان عشر سنوات، هذه الحروب الأهلية أصعب من الحروب التقليدية، حربٌ داخلية (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) .
الأقوياء عصيٌّ بيد الله تعالى:
الله هو القوي بيده كل شيء، من ضَعف الإيمان نرى الأقوياء أقوياء، الأقوياء عِصيٌّ بيد الله.
﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾
2 ـ أن تدرك أن الأمر بيد الله لا بيد زيد ولا عُبيد:
من لوازم ليلة القدر أن تُدرك أن الأمر بيد الله، لا بيد زيدٍ ولا عُبيد، ولا فُلان ولا علّان، ولا هذا الطاغية الكبير الذي يقع في طرف الأرض، لا الأمر بيد الله، ومستحيلٌ وألف وألف مستحيل، أن يُسلِمك الله إلى غيره قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
3 ـ أن تقول مع رسول الله إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ:
من لوازم ليلة القدر أن تقول مع رسول الله:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
معاني بعض الآيات المتعلقة بليلة القدر:
أضع بين أيديكم بعض الآيات المُتعلقة بليلة القدر، إن وصلت إلى معاني هذه الآيات، فأنت في نعمةٍ لا تعدلها نعمة:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)﴾
أمّا التوحيد الذي ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، أن تؤمن من خلال هذه الآية:
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)﴾
خلاص المؤمنين و نجاح عملهم بيد الله تعالى فقط:
هذه القِوى الشرقية التي عاشت سبعين عاماً ترفع شعار "لا إله" كيف دُمِّرت؟ كيف انتهى هذا الفكر الإلحادي؟ بلا حرب.
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) يجب أن ترى أنَّ القوي هو قوي، فقط لأنَّ الله سمح له أن يكون قوياً، فإذا أراد الله أن يُنهيه بثانية، لا تعبُد غير الله، اعبُد الله، المسلمون في محنةٍ يرون أنَّ خلاصهم بيد الأقوياء البعيدين، إذا أعطوهم الحماية فقد نجحوا، لا، خلاصنا بيد الله، ورزقنا بيد الله، وحياتنا بيد الله، وموتنا بيد الله، وصحتنا بيد الله، وسعادتنا بيد الله، ونجاح زواجنا بيد الله، ونجاح عملنا بيد الله (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) .
4 ـ من لوازم ليلة القدر أن تفهم الآية التالية فهماً عميقاً:
من لوازم ليلة القدر أن تفهم هذه الآية فهماً عميقاً:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾
دعوة الله عزَّ وجل كل إنسان إلى سلام معه و مع نفسه و مع أهله و مجتمعه:
كيف زخرفة؟ كل شيء يتألق الآن.
(( إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ ))
عنصر الجمال في كل شيء (حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)﴾
إلى سلامٍ معه، إلى سلامٍ مع نفسك، إلى سلامٍ مع أهلك، إلى سلامٍ مع مجتمعك (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) .
ما من شيء إلا عند الله خزائنه فعلى الإنسان ألّا يخضع لهذه الشائعات المغرضة:
الله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (21)﴾
لا تقُل مع أهل الكفر، إنه يوجد نقصٌ بالمياه في العالم (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ) لا تخضع لدعايةٍ تريد أن تضعك في اليأس، أنَّ الأرض سوف تواجه مشكلات (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ) كل هذا الذي ترونه من رفع الأسعار، كله لعبةٌ خبيثةٌ قذرة، ترتفع الأسعار عشرة أضعاف بإحدى حالتين: حينما تقلّ المواد عشرة أمثال، أو حينما يزداد الطلب عشرة أمثال، أمّا الطلب هو هو، والمواد هي هي، والارتفاع عشرة أضعاف! ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ) .
لحكمةٍ أرادها الله، علمها من علمها وجهلها من جهلها:
﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)﴾
ليلة القدر أن تفقه هذه الآيات، ليلة القدر أن تعرف الله معرفةً حقيقية، ليلة القدر ألّا تضع أملاً بغير الله، ألّا تعتمد إلا على الله، ألّا تهتدي إلا بهدي الله، ألّا تخضع إلا لمنهج الله، ألّا تخاف إلا من الله، هذه ليلة القدر،

يعني أن تعرفه، أن تعرف أنه هو الخالق، هو الربّ، هو المُسيِّر، هو الواحد، هو الكامل، هو الموجود، هو الرقيب، هو السميع، هو المُعطي، هو المانع، هو الرافع، هو الخافض، هو المُعِزّ هو المُذلّ، هذه ليلة القدر:
﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8)﴾
هذا يَهبَه الذكور، هذا يَهبَه الإناث، هذا يَهبَه الإناث والذكور، هذا يجعله عقيماً لحكمةٍ بالغة، لا تعترض على الله عزَّ وجل (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) .
أنت حينما ترى أنه لا يمكن أن تنتصر لأنك ضعيف، لا، هذه الفكرة تُناقض التوحيد.
﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)﴾
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(10)﴾
من عرف الله و اصطلح معه نصره الله على ألد أعدائه:
أنا أُعطيك لقطات من زوايا مختلفة، ما معنى أنك أدركت ليلة القدر؟ أنك عرفت الله، من خلال هذه الآيات: (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) يعني هذه المُخططات التي ترونها لتقسيم الشرق الأوسط، بما يُسمّى بالشرق الأوسط الجديد، هل نجحت أم أخفقت؟ هذا الخط البياني للعدو الكبير، هل بقي صاعداً أم بدأ ينزل؟ واضح جداً الإله موجود، لا تعتمد إلا على الله، بحسب الإحصاءات والمعطيات الشركيّة الأرضية لا يوجد أمل، لا، الأمل كبير، أن نُفشِل كل خطةٍ تريد الإسلام والمسلمين (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) بشرط أن نعود إلى الله، أن نصطلح معه.
آيات من القرآن الكريم تدل على عظمة الله عزَّ وجل:
1 ـ نجاة سيدنا يونس من ظلمة بطن الحوت و ظلمة الليل وظلمة البحر:
مَن هو الله؟ إذا كنت في بطن حوت، هذا الحوت الأزرق يزيد وزنه عن مئةٍ وخمسين طناً، خمسين طن لحم، وخمسين طن دهن، وخمسين طن عظام، والإنسان يقف في فمه، فمه يتَّسِع لأربعة طنٍ من السمك، وهذه الوجبة معتدلة وهي بين الوجبتين ليست وجبةٌ أساسية، الإنسان كله لقمةٌ واحدة، الله لحكمةٍ بالغةٍ بالغة جعل نبياً من أنبيائه الكرام في فم الحوت، هل هناك أمل؟! لقمةٌ واحدة، ثانيةٌ واحدة.
﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)﴾
في ظُلمة الليل، وفي ظُلمة البحر، وفي ظُلمة بطن الحوت، نادى ربّه، هل هناك أمل؟ في الأرض لا يوجد أمل.
﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87 )فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
وقَلَبَ هذه القصة قانوناً فقال: (وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) .
أيُّها المؤمنون: هذه الآية لكم، ليس المقصود أبداً أن تكون قصةً وقعت ولن تقع، أبداً، هذا فهمٌ خاطئٌ للقرآن، هذه القصة لنا جميعاً، هل هناك من مصيبةٍ أكبر، ومعها ينعدم الأمل ويصبح الأمل صفراً كهذه المصيبة؟ (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .
2 ـ نجاة سيدنا موسى من فرعون و جبروته:
مَن هو الله؟ فرعون وما أدراكم ما فرعون بجبروته، بطغيانه، بحقده، بقوته، بأسلحته، وراء شرذمةٍ قليلةٍ من أتباع سيدنا موسى وصلوا إلى البحر، انتهى الأمل، فرعون من ورائهم والبحر من أمامهم:
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
هذه الآية لكم، لنا، لنا نحن المسلمين، لا نقلق ولو كان العدو كبيراً، طاغياً، مُنحرفاً، حاقداً، هذه الآية لنا جميعاً: (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) .
إذا كان الله معك فمَن عليك؟ وإذا كان عليك فمَن معك؟ ويا ربّ ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
دققوا الآن: بأمرٍ بسيطٍ لا يكلفه إلا كلمة، اقتلوا أبناء بني إسرائيل جميعاً، وأيّة قابلةٍ لا تُخبِر عن مولودٍ ذَكَر تُقتَل مكانه، لأنه رأى مناماً أنَّ طفلاً من بني إسرائيل سوف يقضي على مُلكه، الجواب سهل، حاكمٌ مُطلَق، طاغيةٌ كبير، قتل الإنسان أَهون عنده من قتل ذبابة، أمر بأن يُقتَل بنو إسرائيل، أمّا هذا الغلام الذي سيقضي على مُلكه ربّاه في قصره، هذه عظمة الله عزَّ وجل! إذا كان الله معك فمَن عليك؟
﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39)﴾
3 ـ نجاة سيدنا موسى بوضعه بتابوت ورميه في البحر من قِبل أمه بوحيٍ من الله:
هناك آيةٌ أُخرى:
﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)﴾
معقول هذا الكلام؟! أيّة أُمٍّ في الأرض الآن، إن خفت على ابنك ألقيه في النهر؟! (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي) رأته امرأة فرعون فأحبَّته (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي) .
﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)﴾
من وضع ثقته بالله يرى أن الله على كل شيء قدير:
هذه ليلة القدر، هل تؤمن بأنَّ الله قادر؟ يقول لك: المرض خبيث من الدرجة الخامسة، هل تؤمن أن الله قادرٌ أن يشفيك؟ مهما تكن المُصيبة كبيرة، مهما تكن الطُرق مسدودة، مهما تكن الأسباب معدومة، الله على كل شيءٍ قدير، ضع أملك بالله، ثِقّ بالله عزَّ وجل:
كُنْ عَنْ هُمُومِكَ مُعْرِضَاً وَكِلِ الأُمُورَ إلى القَضَا
وَابْـشِــرْ بِــخَـيْرٍ عَـاجِلٍ تَـنْـسَى بِه مَا قَدْ مَضَـى
فَـلَـرُبَّ أَمْـــرٍ مُــسْخِـطٍ لَـكَ في عَـوَاقِبِهِ رِضَــا
وَلَرُبَّمَا ضَـاقَ المَـضِـيقُ وَلَـرُبَّمَا اتَّــسَـعَ الفَضَــا
اللهُ يَـفْــعَــلُ مَـــا يَـشَاءُ فَــلَا تَـكُـنْ مُـعْـتـَرِضَــا
اللهُ عَــوَّدَكَ الـجَــمِـيـلَ فَـقِسْ عَلَى مَـا قَدْ مَـضَى
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)﴾
هذا الينبوع التي تشرب منه دمشق، في الثانية الواحدة من أربعة أمتار إلى خمسةٍ و ثلاثين متراً مكعباً بالثانية، أين مستودعاته؟ قريبٌ من حمص، نصف لبنان تحت هذا الحوض، وطريق دمشق حمص تحت هذا الحوض، من هيَّأ هذا الماء العذب الزُلال؟ أي مكانٍ في العالم الماء يُشترى، إلا عندنا تفتح الصنبور فتشرب ماءً عذباً زُلالاً، من نِعَم الله الكبرى.
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)﴾
إعجاز الله عزَّ وجل في القرآن الكريم:
مَن منّا يُصدِّق أن هذا العالم العملاق "أينشتاين" الذي جاء بالنظرية النسبية، والتي قلبت مفاهيم الفيزياء في الأرض، أن نظريته وردت في كلماتٍ في القرآن الكريم:
﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (5)﴾

العرب تَعُد السنة القمرية، والقمر يدور دورة حول الأرض كل شهر، لو أخذنا مركز القمر ومركز الأرض ووصلنا بينهما بخط، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، يعني: (نصف قطر الدائرة X2 ) X (3.14 المحيط) 12) Xبالسنة) X (1000 بألف سنة) فأنت بدقائق معدودة مع آلة حاسبة تحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام، قسِّم هذا الرقم الكبير على ثواني اليوم، الناتج: سرعة الضوء الدقيقة.
يعني ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يومٍ واحد.
(فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ) اليوم الضوئي يساوي مسير القمر حول الأرض ألف عام، هذه سرعة الضوء لكن هذه السرعة الدقيقة لا التقريبية، التقريبية ثلاثمئة ألف، أمّا الدقيقة هي مئتان وتسعةٌ وتسعون وسبعمئة واثنان وخمسون، بدقةٍ ما بعدها دقة، ماذا فعل أينشتاين؟ جاء بالسرعة المُطلقة للأشياء في هذه الآية، هذا الموضوع عُرِض في مؤتمر الإعجاز العلمي في موسكو قبل خمس سنوات.
لكن يقال إنَّ هناك فقر:
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ(27)﴾
الإقبال على الله عزَّ وجل سعادة للإنسان في الدنيا والآخرة:
والله سافرت إلى بلادٍ كثيرة، البلاد التي فيها بحبوحة تفوق حدّ الخيال، هذه البحبوحة حجابٌ بينهم وبين الله، والبلاد التي تُعاني ما تُعاني، هذه المُعاناة أحد أكبر أسباب إقبال الناس على ربِّ العالمين (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) .
لا تعرفون قيمة هذه البلدة إلا إذا سافرتم، الفرق يكاد لا يوصف.
﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42)﴾
لا تتوهم أن هناك قوةٌ جبارةٌ في الأرض، الله أقوى منها، لا تتوهم أنَّ هذه القوة إلى الأبد، لا يوجد للأبد، الله أقوى منها، هناك من يرى من المسلمين أنَّ العالم الغربي ملَك كل شيء، ملَك المال، ملَك القوة، والسلاح، والأقمار، والعملة، والاقتصاد، وملَك الإعلام، يرتكب أكبر جريمةٍ بحُجة محاربة الإرهاب، لا تيأس الله بيده كل شيء، الله أرانا أعطانا شحنات منعشة، كيف ثلاثة آلاف مقاتل زلزلوا أكبر جيشٍ في المنطقة أليس كذلك؟ هذه شحناتٌ مُشجِّعة ومنعشة لنا.
الإيمان باليوم الآخر من لوازم الإيمان بالله تعالى:
أيُّها الإخوة:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
هل تُصدِّق على الله أنَّ شخصاً غنياً طغى وبغى بماله، وإنساناً فقيراً عانى ما يعاني، امرأةٌ جميلةٌ جداً تزوجها أغنى الأغنياء، وامرأةٌ جمالها متوسط أو أقل من الوسط ما أُتيح لها أن تتزوج، وتنتهي الحياة هكذا بلا يومٍ آخر؟ بلا تسوية حسابات؟ من لوازم الإيمان بالله أن تؤمن باليوم الآخر، فيه تُسوّى الحسابات.
﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3)﴾
الله عزَّ وجل لا يغفل عن أعمال عباده إنما يؤخرهم ليوم الحساب:
قد تجد إنساناً ضعيفاً لكنه مستقيم، هو في أعلى عليين يوم القيامة، وقد تجد إنساناً قوياً وغنياً، وغارقاً في الملذات والمعاصي والآثام، مكانه يوم القيامة في أسفل سافلين (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) ألا يوجد حساب؟ هل هناك جامعةٌ في الأرض لا يوجد فيها امتحان؟ شخص غني، شخص فقير، شخص قوي، شخص ضعيف، شخص صحيح، شخص مريض، شخص معذَّب، شخص مُنعَّم، وتنتهي الحياة هكذا؟! هل هذا يستقيم مع كمال الله؟
إذا دخلت لمسرحيةٍ، ولا أُفتي بدخولها طبعاً، لكن كفكرةٍ فقط، وأول فصل أُرخي الستار وما انتهت، تريد أن تعرف ماذا حصل بالقاتل؟ أنت لا تُصدِّق أنها انتهت، تريد أن ترى النتيجة، هذه الحياة أليس لها نتيجة؟ كلُّ يدَّعي أنه على حقّ، يُدمِّرون الشعوب من أجل كلامٍ فارغٍ ليس له معنى إطلاقاً، ينهبون ثرواتها من أجل الديمقراطية، أيّة ديمقراطيةٍ هذه؟ وينتهي الأمر، يقصفون منزلاً فيقتلون مئة شخصٍ ويقولون خطأ، فقط، أمّا طائرة عندما أُسقطِت في بريطانيا، دفعت بعض الجهات مئتين وسبعين ملياراً؟ لماذا إذا أُسِرَ أسيرٌ واحدٌ تقوم الدنيا ولا تقعُد، وأحد عشر ألفاً وثمانمئة أسير لا أحد يعبأ بهم؟ ألا يوجد حلٌّ لهذا الوضع؟ ألا يوجد إلهٌ سيتدخل؟
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم (26)﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
على المؤمن أن يثق بالله عزَّ وجل:
يجب أن تثق بالله إذا كنت في ليلة القدر، الله عزَّ وجل لا يتخلى عن عباده المؤمنين.
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (39) أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)﴾
العقل كالعين لا قيمة له من دون وحي يهتدي به:
الآن لمّا الإنسان يتخلى عن دينه، وعن مبادئه، وعن وحيّ السماء، يُحكِّم عقله فقط، العقل كالعين تماماً لا قيمة لها من دون ضوء، لو وجد في غرفةٍ إنسانان أعمى وبصير، لكن الغرفة مظلمة فهُما يستويان، هذه العين لا قيمة لها إطلاقاً، من دون نورٍ يتوسط بينها وبين الأشياء، والعقل كالعين لا قيمة له إطلاقاً، من دون وحيٍ يهتدي به، من دون وحيٍ اسمعوا:
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾
عقلٌ من دون وحي، كالعالَم اليوم عقلٌ من دون وحي يعج بالمظالم.
(( لَتُمْلَأَنَّ الأرضُ ظلمًا وعدوانًا، ثُمَّ لَيَخْرُجَنَّ رجلٌ مِنْ أهلِ بيتِي، حتَّى يملأَها قِسْطًا وعدلًا، كما مُلئَتْ ظلمًا وعدوانًا ))
موتٌ كعُقاص الغنم لا يدري القاتل لِمَ يقتُل، ولا المقتول فيما قُتِل، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يُغيِّر، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه.
من قتل نفسه فقد شقي و كفر:
أيُّها الإخوة:
﴿ قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)﴾
قَتلَ نفسه، أشقى نفسه (مَا أَكْفَرَهُ) ما الذي جعله يكفُر؟
﴿ قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24)﴾
أمرٌ إلهي فكِّر في هذا الطعام من صنعه لك؟
﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا(28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾
من قدَّر الله حقّ قدره فقد أدرك ليلة القدر:
أيُّها الإخوة: ليلة القدر يعني أن تُقدِّر الله حقّ قدره، أن تعرفه خالقاً، ومُربّياً، ومُسيِّراً، أن تعرفه موجوداً وواحداً وكاملاً، أن تعرف أسماءه الحُسنى وصفاته الفُضلى، أن تعرف أن الأمر بيده، وأنه لا إله إلا هو، وأنَّ كل الخلائق في قبضته وعلاقتك معه، إن أدركت هذه الحقائق فقد أدركت ليلة القدر، يعني قدَّرته حقّ قدره، وهذا الإدراك العميق لهذه الحقائق، خيرٌ لك من أن تعبُد الله ثلاثةً وثمانين عاماً (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ممكن أن تكون في أي يومٍ من أيام السنة، لأنَّ القدر بالهجري فتدور مع الأيام كلها.
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله ربِّ العالمين.
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيّها الإخوة: موضوع زكاة الفطر، لأنَّ صيامنا وقيامنا لا يُرفَع إلى الله تعالى إلا بتأدية هذه الزكاة، اسمُها زكاة الفطر، لقد فرض الله علينا زكاة الفطر طُهرةً للصائم، مما بدر منه من لغوٍ أو رفَث، وطُعمةً للمسكين، وإغناءً له عن السؤال.
صدقة الفطر تجبُ على كل مسلمٍ يملِك قوت يومه، الذي عنده وجبة طعام واحدة، بيضتان وجبة طعام، تجب عليه زكاة الفطر لماذا؟ ليذوق الإنسان طعم الإنفاق في العام مرةً واحدة، يعني هذه الزكاة تجب على الفقراء، الذي يملِك وجبة طعام واحدة، تجب على الفقراء، ليذوق هذا الفقير طعم الإنفاق في العام مرةً واحدة، تجب على كل مسلمٍ يملِك قوت يومه، عبداً أو حراً، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، غنياً أو فقيراً.
يُخرجها الرجُل عن نفسه أولاً وعن كل من يمونه ويلي عليه، كزوجته، وأولاده، وعن أمه وأبيه، وإخوته وأخواته ممن يُنفِق عليهم، أُسرته ومن يُنفِق عليهم، أخته عنده في البيت، ابن أخته عنده في البيت إن كان يُنفِق عليه، مقدارها في الحدّ الأدنى ثمن نصف صاعٍ من القمح، يعدل اثنين كيلو ونصف عن كل فردٍ ولا حدّ لأكثرها، يعني مستحيل وألف ألف مستحيل، إنسانٌ غني يُعطي عن كل شخصٍ مئة ليرة، حدُّها الأدنى في هذا العام مئة ليرة، الأدنى عن نفسك، وعن أهلك، وأولادك، ومن تلي عليه، ومن تُنفِق عليه، وهناك من يُنفِق عن الجنين في بطن أمه، هذه زكاة الفطر حدُّها الأدنى مئة ليرة.
أيّها الإخوة: لا إسراف في الخير، ولا خير في الإسراف، حكمتها كما قلت قبل قليل، أن يذوق كل مسلمٍ طعم الإنفاق حتى الفقراء، وكي يتدرب الإنسان على الإنفاق في العسر واليسر، ولكي تكون يده هي العُليا.
وقت أدائها من أول رمضان وحتى قُبيل الخروج لصلاة العيد، فإذا الآن شخصٌ أراد أن يدفع شيئاً، يجب أن يذكُر أنَّ هذه متعلقة بزكاة الفطر.
يُفضَّل أن تُعطى للأقارب عدا الأصول والفروع، الأصول والفروع الآباء مهما علوا والأبناء مهما دنوا، وعدا الزوجة، لأنَّ الزوج مكلفٌ في الإنفاق عليها.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولَّنا فيمَن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحقِّ ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضنا وارضَ عنّا.
اللهم أصلِح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا ربّ العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك.
اللهم لا تؤمنّا مكرك ولا تهتك عنّا سترك ولا تنسنا ذكرك.
اللهم أعنّا على ما بقي من شهر رمضان، أعنّا فيه على الصيام والقيام وغضِّ البصر وحفظ اللسان، وأدخلنا الجنَّة بسلام، وأحيينا إلى العام القادم إن شاء الواحد الديان.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِّ كلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخُذ بيد ولاتهم إلى ما تُحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.
الملف مدقق